عرض المادة

الاختلاط

9805 | السبت PM 11:25
2009-09-19

الاختـلاط

الحمد لله رب العالمين؛ والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين،     وصلى الله وسلم على عبده ورسوله محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .

أما بعد:

فإن الحديث عن بعض الظواهرِ السلبيةِ المتفشيةِ في مجتمعاتنا ، لهو نوع من السباحة ضد التيار، وما ذلك إلا لبروز تلك الآفاتِ بين صفوفنا حتى أصبحت واقعاً مقرراً، جعل الفارق كبيراً بين ما نحن فيه، والواقعِ الذي نأمل أن نكون متصفين به .

ويعظم المصاب ويتفاقم حين تحاول أن تعالجَ الأخطاءَ في وقت عظمت فيه الشبهات، وتتابعَ الناس في الشهوات؛ حتى وقعوا بها من حيث لا يشعرون . ولكن حسبك أن تأمُرَ بمعروفٍ وتنهى عن منكرٍ ، ولابد من محاربةِ تلكِ الأخطار التي تهدد المجتمعاتِ الإسلامية ، وإنما الأجرُ على قدرِ المشقة ؛ لا سيما في زمَنٍ اشتدت فيه غربةُ الإسلامِ ، وانفلت كثيرٌ من الناس من تعاليمِ دينهِم ، فباتوا يتخبطون على غيرِ هدى ، ويمشون على غير بصيرةٍ..

ولا يتقون الشر حتى يصيبهم      ولا يعرفون الأمرَ إلا تــــــدبرا

إن الحديثَ عن اختلاط النساءِ بالرجالِ في مواقع الدراسة والعملِ وأماكن اللهوِ ، حديث مؤلمٌ وحزين ، يبعث في النفسِ الأسى ، ويجدد الأشجانَ في القلوب .

فهو واقع مرير يصعب وصفُه ، وشر مستطير يعسرُ علاجُ من وقع فيه.

فماذا نقول عنه وماذا نذر ؟!

لقد صوَّر أعداءُ الإسلام لأهلِ الإسلام أن خروجَ المرأةِ للتعليمِ المختلَطِ والعملِ أيّاً كان نوعُه أن ذلك واجبٌ من الواجبات؛ وأن خروجَهن للمحافِلِ والمجتمعاتِ المختلطةِ ضرورةٌ من الضروريات التي لا ينبغي أن يفرَّطَ فيها. وصوروا للمرأةِ أن جلوسَها في البيتِ سِجْنٌ لها ، وشللٌ لطاقتها ، وكأنَّ وظيفتَها في هذا الوقتِ صارت خارجَ البيتِ لا داخِلَه؛ ولا زالوا يبثون سمومَهم حتى أصبح ذلك واقعاً مسلَّماً .

وإن كان ذلك مما يصدقه النساءُ لِضَعْفِ عقولِهِنْ ، فاعجبْ من رجالٍ دهمتهم الغفلة ، وشاركوا في فصولِ هذه القصةِ المحزنة ، فاستسلموا لهذه الجريمةِ النكراء ، ولم يستفيدوا من عبرِ الزمان وعظاتهِ .

إن اختلاطَ النساءِ بالرجالِ في الدراسةِ أو العمل ، جريمةٌ عظيمةٌ في حق المجتمعِ عموما ، وفي حق الأُسْرةِ خصوصاً ، لما ينتج عن ذلك من الإهمال وضياعِ البيوتِ وتشتتِ الشمل وتخلخل البناءِ حتى يتهاوى .

إن من الحسرةِ والغبنِ أن يزجَّ المرءُ بزوجته أو محارِمهِ إلى هذه الأماكن المختَلَطةِ التي تجني بعدها المرأة كلَّ همٍّ وكمد ، فتبدأ تُحِسُّ بتغير شخصِها الذي كانت تعهده ، ولكن لا سبيل إلى عودته كما كان وهي لا تزال تعيش في هذه الأمكنةِ المليئة بالفوضى .

وإن من أعظم ما دعا الناسَ إلى هذا الإسفاف والتهاونِ تساهلُ الكثيرِ بأمر الفضيلَة ، وذهابُ الغَيْرة والحياءِ من القلوب ، والنظرُ إلى المجتمع أنه فَعَل ذلك فنفعل نحو فعله.

تقليدٌ حتى في الأخطاءْ!

كما أنه قاد بعضَ الناس إلى ذلك الفعلِ المشين ضعفُ الثقةِ بالله؛وكأنَّ الأرزاق

بيدِ البشر، وأن الوظائفَ هي التي تؤمّن الرزقَ ونسوا: (إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ) .

والأدهى من ذلك أن يكون القائدُ إلى زجِّ النساء في الأعمالِ المختلطةِ الجشَعُ واستثمارُ راتبِ المرأة ، ولو كان على حسابِ الرجولةِ والكرامة.

فيبدأ يرى تغيُّرَ أحوالِ زوجتهِ ونسائهِ ، ولا يتكلمُ لأنه حريصٌ على المال .

بل والأدهى أنه لو أراد أن يُجلسَها في البيتِ بعد عملِها فبعداً له حينذاك؛ فليس الأمر كما لو لم تختلطِ المرأةُ وتكسرُ قيودَ الجرأة.

فيا أسفا من واقعٍ مخز لا ندري كيف نعالجهُ ، إذا لم يكن ثمَّ رجالٌ يشعرون بالمسؤولية .

إن الاختلاطَ يولِّد أخلاقَ السوء ، ويجعل المرأةَ مسترجلةً جريئةً ؛ مهما كان عندها من الحياءِ ، لأن انعكاسَ الطبع في عملِها سيكون أثرُه في المنزل.

تدخل المرأةُ إلى مكانِها المختلطِ أول مرةٍ هادئةً ساكنةً ثم بعد أن تخالط الرجال فإذا بك وقد رأيت امرأةً ترفعُ صوتَها كما يفعل الرجال ؛ ثم يأتي الزوجُ يشتكي ذلك وأنه يعاني من عدمِ الاحترام ؛ ونسي أنه هو الذي فتَحَ البابَ على نفسه.

وأخرى تترفع على زوجِها.

وثالثة تتعامل مع زوجِها بالألفاظ البذيئة.

وفي مكان يتجملُ فيه الشباب تجملَ النساء ؛ لك أن تتصور ما يحدث من الهرْجِ والمرج وانفلاتِ الأخلاق من قبلِ النساء سواء كان ذلك بالضحكاتِ العالية أو العطور النفاثة أو الملابس الوقحة.

أو أعظم من ذلك وأبعد ؛ فيا لِـمَوْتِ الفضيلة.!

لا نقولُ مقولَةَ السفهاء : أنا ابنتي ثقة .. أنا زوجتي ثقة ؛ فكل الناسِ يقولون ذلك حتى الفجرة .

وما انتشارُ الفاحشةِ والفسادِ إلا بسبب هذا التساهلِ المشِين.

كيف يسمحُ رجلٌ يعدُّ نفسَه رجلاً لمحارمهِ أن تدرسَ أو تعملَ مع رجالٍ ذكورٍ يتفننون في طُرِق الاصطياد؟!

وَأكثرُ ما يكون الشوق يوماً           إذا دنت الديــــارُ من الديارِ

قيل لامرأةٍ من أشراف العرب : ما حملك على الزنا ؟

قالت : قربُ الوِسادِ وطولُ السواد.

أي : قربُ وسادةِ الرجلِ من وِسادتي ، وطولُ السواد بيْننا .

المرأةُ يجب أن تكونَ بعيدةً عن الرجالِ حتى تبقى مصونة ، قال تعالى :( وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ).

ألا يظن من زجَّ بنسائه في هذه الأماكنِ أنه يعرضهن للفتن؟!

فترى أصنافاً من الرجال ، وأشكالاً من الفتن..

جمالُ خلقة .. حلاوةُ أسلوب .. تفنُنٌ في اللباس.

ثم أَلا يظن أنه حين يرسلها إلى هذه الأماكنِ أنها ستكتشف نقصه من خلال رؤيةِ غيره.

لقد اعتنى الإسلامُ بالوقايةِ من أسباب الاختلاط وتعاطيه لما ينتج عن ذلك من الخلل وانهيار الأخلاق ، بل إنه منع منه حتى في الشعائرِ العظيمة فكيف بالكماليات فقال r في الصلاة :« خير صفوف الرجال أولها وشرها آخرها ، وخير صفوف النساء آخرُها وشرها أولها» ؛ وقال: « خيرُ مساجد النساء قعر بيوتهن »؛ وقال تعالى  وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى

ونهى الإسلام عن الخلوةِ بالمرأةِ الأجنبيةِ على الإطلاق إلا مع ذي محرم ، وعن السفر إلا مع ذي محرم ، سداً لذريعةِ الفسادِ وإغلاقاً لباب الإثم وحسماً لأسباب الشر .

كما حرّم الوسائلَ الموصلةَ إلى الوقوع فيما حرَّم الله ، والتي يقود إليها هذا الاختلاط ؛ حماية للنساء والرجال من مكائد الشيطان ، ولذا فقد صح عن رسول الله r أنه قال : « ما تركت بعدي فتنة هي أضر على الرجالِ من النساء»، وقال r: « اتقوا الدنيا واتقوا النساء فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء » .

ومن المعلوم أن المرأة إذا نزلت إلى ميدان الرجال فلا بد أن تكلمهم  ويكلموها ؛ ولابد أن ترقق لهم الكلام وأن يرققوا لها الكلام ، والشيطان من وراء ذلك يزين ويحسن ، ويدعو إلى الفاحشة ، حتى يقعوا فريسة له ، والله حكيمٌ عليم حيث أمر المرأة بالحجابِ ؛ وما ذاك إلا لأن الناس فيهم البرُّ والفاجرُ ، والطاهرُ والعاهرُ ، فالحجاب يمنع بإذن الله من الفتنةِ ، ويحجِزُ دواعيها ، وتحصل به طهارةُ قلوبِ الرجالِ والنساءِ ، والبعدِ عن مظانِ التهمة.

قال تعالى ( وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ) وخيرُ حجابٍ للمرأةِ بعد حجاب وجهها وجسمها باللباس هو بيتُها .

ويا عباد الله !!

هل نستطيع أن نتصور لحظة أن من اختلطت نساؤه لا يرى مواقع الخلل؟!

ألمْ يكن قد ابتلي بزيارةِ أماكنِ الاختلاط لإنهاء عمل؟

أو كان هو يعملُ في عمل مُختَلط؟

ألا يرى ما في هذه الأماكن – مهما تحفظ  أصحابها - من الإسفاف وسقوطِ الحياء والهيبة؟

فكيف يزجُّ بأهله في أماكنَ ما سُنَّتْ قوانينُ الاختلاط فيها ، إلا من أجلِ إشاعةِ الفاحشة والرذائلِ؟

عجباً لمن يرى العِبَرَ فيزج بنسائهِ إلى هذه الأماكنِ المظلمةِ المنتنةِ ، وَيدفَعُهُنَّ نحو الفتنة بشدّه!!

الغيرةَ الغيرةَ يا عباد الله ..

قال r : « أتعجبون من غيرة سعد؟ لأنا أغير من سعد ، والله أغير مني » ، وقال عليٌّ t :« لا خير فيمن لا يغار » .

أخبروني ..

كيف يرضى رجلٌ أن يكونَ هاتفُ زوجتهِ النقال مليئاً بأرقام زُملاءِ العمل ؟ أين الرجولة ؟!

هل وصلنا إلى هذه الحالة من الضياع ؟!

هل تستغرب مثلَ هذا ..؟!

هو الذي أوصلها إلى هذه الحال .

الاختلاط ُ أبو الرذيلة وحاميها ، وفي هذه الأماكنِ يختلِس الفجرةُ ما شاءوا دونَ رقيب .

ولنكن واقعيين..

المرأةُ حين تجلِسُ مع زميل العملِ ساعاتٍ طوال ؛ ألا يجعل ذلك نوعاً من الألفةِ.

هل يقولون هو مثلُ أخيها!!

تباً لهم ناقصو الرجولة.

وإذا كان كذلك ؛ فلنسأل سؤالا صريحاً.

لماذا إذا جلس الرجل في مجلسه أغلق الأبواب على أهل بيته ؛ ولو قال له أصحابُه: نادِ زوجَتك لتجلسَ معنا غضب وربما قتَلَ وظهرت الرجولةُ الدفينة ؛ رغم أن هؤلاءِ أصحابُهُ وربما أقاربُه ؛ فلماذا لم يمنعه هذا الحياءُ المزيفُ من إرسال زوجته إلى الأعمال المختلطةِ التي ترى فيها أفواجاً من الشباب المتزين المتأنق .

أليس لسانُ حالِ هذا البائسِ كأنه يقول: مادام أن الخفةَ والطيشَ والضحكاتِ العاليةِ والتحرشَ البهيمي ليس أمامي فلا أغار ..

أليست هذه هي النتيجة ؟! إننا في زمن المتناقضات .

استمعوا شكايةَ الرجال من نسائِهم ، وانصرافَ قلوبهن عنهم ، وتأملوا الجرأة والبذاءةَ والشتائمَ والصراخ من قِبَلِ نساءٍ لرجالهن .

كل هذا وليدُ الاختلاط ..

ولربما تعلق القلبُ بما يعرض له من الأهواء فكيف يعالج حينئذٍ .؟!

عباد الله :

من أراد صلاح نسائه فليلزمهن بالجلوس في البيت .

اتق الله يا ولي الأمر ..

لا تفتح على ابنتِك بابَ الاختلاط فتخسرها وهي عندك ، ثم بعد ذلك تتزوجُ ولا يستطيعُ الرجلُ أن يحكُمَ أمرها ، ولو حاول لفشل ، ولربما طلق وضاعت وأبناءَها.

اتق الله يا أيها الوالد : قال الله تعالى :( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ ) .ولا تتبعِ العاطفةَ أو رأيَ الأمِّ ضعيفةِ العقل ، وأنت قد رأيتَ ما يهولك من أمورِ الاختلاط ، بل وربما تتَندر في روايتها في المجالس .

لا تتبعوا رأيَ النساء الضعيفات قال r : « ما رأيت من ناقصات عقل ودين أذهب للب الرجل الحازم من إحداكن » ؛ واستفيدوا من عبر الزمان وتجارب الحياة .

وأنت أيها الزوج :

لا تسمح لمن ارتبطْتَ بها أن تلج هذه الأبوابِ المظلمة فتأتيك بوجهٍ غير ما كنت تطمع به .

ما هي الغنيمة حين تعملُ الزوجةُ براتبٍ ما - لتساعدك على تكاليفِ الحياة كما تزعم- وأنت تعيش مع رجلٍ وليس أنثى .. جريئة .. سليطة .. متبرجة .. تناقشُ كالرجال – طويلةُ اللسان ، أو ممن امتلأ هاتفُها بأرقامِ الزملاء لريبةِ  أو لغير ريبة!!

فإن لم يكن دينٌ يمنعْ ، ألم يبق أثرٌ من رجولة يردع؟!

 

 

إذا المـــرءُ لم يدنَسْ من اللؤمِ عرضُــه      

فكــــــــــل رداءٍ يرتديــــه جــميــــــــلُ

وإن أنت لم تحملْ على النفس ضيمها

فلــــيس إلى حســـنِ الثنــــاءِ سبيلُ

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم..

 

الخطبة الثانية

الحمد لله وحده ؛ والصلاة والسلام على رسوله وعبده ؛ نبينا محمد وعلى آله وصحبه.

أما بعد:

أيها المسلمون : احرصوا على نسائكم من هذا الداء المتفشي في المجتمعات حتى أذهب رونقَ الحياة المتمثلِ برجلٍ غيور وامرأةٍ محتشمة.

لا تزجوا بنسائكم نحو هذا الانفلاتِ الأخلاقي.

واعلموا أن الترفَ لا يدوم ، وعدمَ شكرِ النعمةِ مزيلٌ للنعمِ جالبٌ للنقمِ.

كيف يسمح المسلم لنفسه أن يزجَّ بابنتهِ إلى العملِ ممرضةً يتعرض لها الرجال ؛ ويدعوهم لباسُها الأبيضُ الفاتنُ إلى التحرشِ بها ؛ بل وتبيتُ خارج المنزل؟.

أو أن تعمل سكرتيرةً في مدارس البنين المتوسطِ والثانوي يتحرش بها الطلابُ؛ وضعافُ النفوس من المدرسين ؟.

أو مدرسةً في مدارس الأولاد الذين يُعدُّ بعضهم من الرجال؟.

أو أن تذهب إلى الأسواق لحاجة ودون حاجة؟

والأدهى أن تعمل في صفوف الجندية ، أو أن تغشى المقاهي التي يتعالى بها نغم الضحكات الفاجرة مع أصعدة الدخان ، على مسمعٍ من رجال ينتظرون الإشارة المنكرة لينقضوا انقضاض الذئب على فريسته .

أو غير ذلك من أماكن الاختلاط التي لا يملك المسلمُ الغيور إلا أن يجأر إلى الله أن يعافيه من حال أصحابها ، وألّا يؤاخذَنا بما فعل السفهاء منا ، وأن يرحمَ هذه الأمة المسكينة .

احفظوا الأمانة أيها الناس..

احفظوا الأمانة التي استرعيتم عليها..

اجلسوا مع أنفسكم جلسةَ مصارحةٍ ومحاسبةٍ وتعقُّل ؛ وفكروا  وتساءلوا..

هل الذين شرَّعوا الاختلاط لهم هدفٌ سوى نشر الرذيلة في المجتمع المسلم؟.

هل الحياة لا تقوم إلا باختلاط الجنسين؟.

وإذا أجابتك نفسُك بالإجابة التي تصرخ داخلَك ، من أن المقصود بالاختلاط قتلُ الفضيلة ، فقم قومةَ الرجل الأبي الذي لا يذعن لهذا الإسفاف؛ ولا يعرض أهله لمواقف التلف.

غاروا على محارمِكم ..

لقد ركَّب اللهُ الغَيْرةَ في قلوب الرجال لأنها قوةٌ تحمي المحارمَ والشرفَ والعفافَ من كلِّ مجرمٍ وغادر ، ومدحَ الإسلامُ هذا الخلق العالي  ، قال رسول الله r :« إن الله يغار ، وإن المؤمن يغار ، وإن غَيْرَة الله أن يأتي المؤمنُ ما حرم اللهُ عليه » .

وجعل ذلك من الجهاد المشروع فقال r: « من قتل دون أهله فهو شهيد » ؛ وقد توارث أهلُ الإسلام تنمية الغَيْرةِ على المحارم أن تنتهكَ أو ينالَ منها بصورٍ يمثلُها غيرةُ النساء على أعراضهن وشرفهن ، وغيرةُ أوليائهن عليهن ، وغيرةُ المؤمنين على محارم المؤمنين من أن تُنال الحرماتُ ، أو تجرحَ عفتها وطهارتُها ولو بنظرة أجنبيٍ لها .

إن ابتعاد المرأةِ عن الرجال وتجنبَ مخالطتهم ومزاحمتهم ؛ ليقوي في قلوبهن الحياءَ والتصوّنَ عن الوقوع في الرذائل ، أو أن تمتدَ إليهن نظرات فاجر؛ ويبعثُ في قلوبِ أوليائِهن من شرفِ النفس ما يغبطه عليه مَن أُفلِتَ زمامُ الأمر من يده.

وقس في هذا الواقع الذي نعيشُه ، أخلاقَ من اعتاد على ستر والدته وأخواتِه ؛ ومقدارِ تمسكه بالأنفة والإباءِ والغيرةِ – حتى لو كان مقصراً في بعض الجوانب – وحالَ من اعتاد على تكشّفِ أخواته وأهلِ بيته وما يعانيه من الانهيارِ الذاتي والانهزامِ النفسي .

فحال هذا الغيورِ حالَ ذلك الأعرابي الذي رأى من ينظُر إلى زوجتهِ ويستديمُ النظر إليها ، فطلقَها غيرةً على محارمه ، فلما عوتِبَ في ذلك قال :

وأترك حبَّهـــا من غيرِ بغضٍ          وذاك لكَثرة الشُّركــاءِ فيـــــهِ

إذا وقعَ الذبــــابُ على طعـامٍ       رفعــــت يدي ونفسي تشتهيهِ

            وتجتنبُ الأســــودُ ورودَ مـاءٍ        إذا رأتِ الكلابَ ولغْـــــنَ فيهِ

 فتمسكوا عباد الله بالفضيلةِ في زمنِ غربةِ الإسلام ؛ وضعفِه في قلوب كثير من أبنائه ، ولا تغرنكم نداءاتُ أهلِ الباطل الصادِّين عن الهدى ، فإنهم قومٌ أفلسوا من الفضيلة فأرادوا أن تكونوا أمثالَهم (وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا ) .وليتق اللهَ من ولاه اللهُ أمرَ أمةٍ من المسلمين سواء كان حاكماً أو مَحكوماً أن يقودَهم إلى هذا الاختلاطِ الفاحشِ قَسْراً ؛ فيبوء بآثامِهم فيكون حقيقاً  

  بقولِ اللهِ تعالى (لِيَحْمِلُواْ أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُم بِغَيْرِ عِلْمٍ أَلاَ سَاء مَا يَزِرُونَ ) .وليتق الله أناسٌ تسنموا ألويةَ الفتوى فيفتون المسلمين على وَفْقِ ما يطلبه المشاهدون والمجتمع ، فيفتحُ على الأمة باب الشر ويكونُ حقيقاً بقول النبيr: « أخوف ما أخاف على أمتي الأئمة المضلون » ، وقال r : « من سن في الإسلام سنة سيئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها من بعده لا ينقص ذلك من أوزارهم شيئا » .

ولتحذرِ المرأةُ المقتدى بها المسماة ملتزمة دخولَ مضمارِ الاختلاط ؛ فتفتح البابَ لغيرها ممن يقتدي بها ، وتحاول أن تلوي النصوصَ لتؤيّدَ ما ارتكبته من الخطأ ؛ فإن هذا من التحايل على الشرع .

ولتعلم تلك المرأة أن ذلك عند الله عظيم ، وخطراً أن يمكر الله بها فيسلبها دينُها من حيث لا تشعر .

فالزمي مكانَك أيتها المسلمةُ تسعدي ، حتى لا تبتلي برجلٍ لا يغار يوردُك مواردَ الهلكةِ في سبيل استثمارِ مالِك وإن كان المقابلُ ضياعَ دينِك وحيائِك .

هذا وليتق الله قومٌ زجوا بنسائهم في براثن الاختلاط المتخلعِ من أجل الحصول على المال ، فلم يجمعوا المالَ لذهاب بركته – لأنهم نالوه بحرام – ولم تسلمْ لهم نساؤهم ، فخسروا رأس المال وقد كانوا يتلمسون الربح .

والأدهى أن يزجوا بنسائهم المتديناتِ الحييات اللاتي يرفضن ذلك الواقع البئيس، فلا يزالون بهن حتى يضطروهن إلى أماكن موت الفضيلة .

ولتزدد عجباً وكمداً من رجل حافَظ على بناته طوال سنين الدراسة من الاختلاط ، ثم بعد ذلك يبحث عن الشفاعات ليزج بها في جامعة مختلطة أو عمل مختلط ؛ وأين ذهب حرصُ السنين .. وتحملُ شَقاءِ التربيةِ ؟!

أهكذا تكون النتيجة ؟!

واسمعوا يا عباد الله شهادة عقلاء الكفار بعد أن علّمتهم التجاربُ ؛ وأخذوا العظاتِ ؛ فنطقوا بالحق واعترفوا بما يوافقُ الفطرة .

قالت الكاتبةُ الإنجليزيةِ اللادي كوك:" إن الاختلاط يألفه الرجال ، ولهذا طمعت المرأةُ بما يخالف فطرتها ، وعلى قدرِ كثرةِ الاختلاط تكون كثرةُ أولادِ الزنا ، وها هنا البلاء العظيمُ على المرأة ؛ علموهن الابتعاد عن الرجال ، أخبروهن بعاقبة الكيد الكامنِ لهن بالمرصاد " .

وقالت الدكتورة ايدايلين:" إن سبب الأزَمَاتِ العائليةِ في أمريكا ، وسرَّ كثرةِ الجرائمِ في المجتمع أن الزوجة تركت بيتَها لتضاعفَ  دخلَ الأسرةِ ، فزاد الدخلُ ، وانخفض مستوى الأخلاقِ " .

وقال شوبنهور الألماني :" اتركوا للمرأة حريتها المطلقة كاملةً بدونِ رقيب ، ثم قابلوني بعد عام لتروا النتيجةَ ، ولا تنسوا أنكم سَتَرْثونَ معي الفضيلةَ والعفةَ والأدب ، وإذا متُّ فقولوا : أخطأ أو أصابَ كبدَ الحقيقة "  .

عبادَ الله ..

ما أفسد الأخلاقَ مثلُ الاختلاط ، فهو من أكبر الوسائل التي توصلُ إلى الانحرافِ الأخلاقي عند من يُريده ، وبأيسر سبيل .

وما أدى إلى سوءِ الظن وتَفَشِّيه بين الأفراد والمجتمعات مثلُ هذا الاختلاط المشين .

فاتخذوا الموقفَ الشجاعَ بمقاطعةِ الأماكنِ المختلطة ؛ ولا تجبنُوا من الأخذِ على أيدي نسائِكم وأبنائكم ؛ وثقوا أتم الثقة إنكم إن تركتموهم يخوضون في لجج هذه البحارِ المتلاطمةِ فإنكم لن تفلحوا أبداً في الظفر بهم ..

أصون عرضي بمالي لا أدنســــه

لا بارك الله بعد العرض بالمــــالِ

أحتال للمـــالِ إن أودى فأكسبُــــه

ولســت للعرضِ إن أودى بمحتالِ

اللهم اغفر لنا وارحمنا وعافنا واعف عنا ...

اللهم أعنا ولا تعن علينا ؛ وانصرنا ولا تنصر علينا ؛ وامكر لنا ولا تمكر علينا؛ ويسر لنا الهدى ؛ وانصرنا على من بغى علينا..

اللهم اكفنا بحلالك عن حرامك وأغننا بفضلك عمن سواك

Powered by: GateGold

جميع الحقوق محفوظة لموقع الموقع الرسمي للدكتور سالم العجمي